الثلاثاء، 27 يناير 2009

لا للاستسلام 000نعم للاعنف نحن بشر ولن نكون كذلك من غير التزام بالحقيقة ولذلك علينا أن نفعل. محمد العمار سأبقى أنتقد الخطأ كلما رأيته أو تراءى لي، والطاغية الوحيد الذي بوسعي قبوله هو ذلك الصوت الذي كبر في داخلي، أنا أعرف وأعترف أنني أنتمي إلى الأغلبية الصامتة، ولكني لن أصمت بعد اليوم، فلا يجدر بي أن أبقى متواطئا مع الخطأ بصمتي. ليس المهاتما إنما أنا أيضا محمد العمار 1 دعوة للمراجعة إن كل عمل يجب أن يسبقه تحليل عقلي هادئ ورزين، فلا يمكن العمل من غير علم، بل إن العمل من غير علم لا يعدوا أن يكون عبثا وخرابا، كالذي يحدث اليوم، خاصة إذا كنا مثلنا يؤمن بقانون السببية، ويؤمن بالمسؤلية الإنسانية، فلا يجدر بنا ولا يليق، أن نتجاوز تحليل الواقع الذي نحن بصدد الفعل فيه والعمل من خلاله، خاصة إذا كنا ننتمي لمدرسة في الفكر تعطي القيمة والأهمية للأسباب الداخلية، وتتجه إلى مساءلة الذات وبحث أسباب الخلل والعطل فيها، عندما تحدث المشكلات وتزمن، ونفشل في التقدم على طريق الحل. لكن مقاربة الواقع بقصد تغييره لا يجوز أبدا أن تمر عبر المصالحة معه، لاسيما إذا كنا نعرف ونعترف أن هذا الوضع جائر، وظالم وأنه وليد أمرين: - غيابنا كأمة عن ساحة الفعل السياسي. - وتواطؤ المصالح الاستعمارية في دعم هذا الواقع. هذا الواقع الذي دشن منذ وقت ليس بالبعيد بمقاييس التاريخ الإنساني المكتوب، على حساب حقوق شعب اضطر بفعل الظلمة وتواطؤ المظلومين أنفسهم أن يتحول إلى واقع، و يسعى الآن ويجتهد أن يتحول إلى حقيقة من حقائق التاريخ، يطمع أن يحول الواقع الظالم الخاطئ المؤقت بشهادة التاريخ، وخاصة تاريخ المنطقة،إلى واقع دائم، يجتهد أن يحول الأسطورة إلى حقيقة، ولن يتم له ذلك إلا إذا اعترفنا نحن بهذا! وهو يلتمس لذلك مختلف الفلسفات والتبريرات، فمرة باسم الواقعية، ومرة باسم الضرورة، ومرة كأحسن الممكنات في واقع مريض، لكن المرارة والألم يبلغان أقصاهما عنما نحاول تبرير هذا الواقع الظالم باسم اللاعنف، وأنا أقول ليس باسم اللاعنف! تبنوا أنتم هذا الموقف، أعلنوا انحيازكم للظلم، صرحوا عن يأسكم وقنوطكم، اعلنوا استسلامكم، لكم كل الحق في ذلك، ولكن ليس باسم اللاعنف، إن اللاعنف هو طريق الحيقية، ولن يكون أبدا سبيلا للهزيمة، إن اللاعنف طريق الحقيقة، ولن نكون لا عنفيين عندما نغتال الحقيقة، ولا يمكن أن يبقى للحقيقة معنى عندما نصدق كذبة بحجم إسرائيل، إن اللاعنف هو أسلوب لمقاومة الظلم والحيف وليس وصفة للاستستلام ولا تكتيك في المساومة، قد تخور عزائمنا، وتنقطع بنا السبل، ونمل من الكفاح والمواجهة، ولكن يجب أن لا نخذل اللاعنف، ونسوغ الظلم، ونسعى إلى المهادنة، عند ذلك نكف أن نكون لا عنفيين. لن يكون للاعنف معنى عندما نتصالح مع ظلامة بحجم قضية شعب فلسطين، نستطيع أن ندعي ما نشاء، وأن نصرح بما نريد، وأن نختار من المواقف ما نحب، لكن ليس من خلال اللاعنف، إننا بذلك نبخع اللاعنف ونلوي عنقه، ليكون شاهد زور، لن يعود للاعنف من معنى عندما تنقطع صلته بالحقيقة، و يكف عن أن يكون أسلوبا نزيها في مواجهة الظلم، ومقارعة الباطل، بل يصبح بوضوح دعوة للاستسلام، وتبشير صريح بالرضوخ لسياسات الأمر الواقع الجائرة المفروضة بالقوة العارية، على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، إن من يدعو لنوع من الواقعية التي يبررها فارق القوة لصالح الصهاينة، لا يمكن أن يكون لاعنفيا حقيقيا حتى ولو كان غاندي نفسه، فاللاعنف كما نفهمه هو تحرر داخلي من وهم القوة والاستلاب لها، إن القوة المادية هي نقيض قوة الروح وقوة الحقيقة، ومن يفكر في حل مشكلة الواقع على حساب الحقيقة انطلاقا من الحضور الكثيف للقوة المادية، يجب أن يعيد تعريف اللاعنف على المستوى الروحي والشخصي، إن من يؤمن بقيمة القوة العارية في صناعة التاريخ، لا يجدر به أن يكون داعية حرية، ولا يجدر به أن يكون معارضا للاستبداد، لأن الواقعية عينها تفرض عليه أن يقبل بأنصاف الحلول التي يراها في قضية فلسطين، فالمستبد يملك الجيش، ويملك المخابرات، ويملك رضا النظام العالمي المتواطئ نفسه الحاضر بتواطئه، عند كل مظلمة، في الداخل والخارج. - ربما يشعر شركاؤنا اللاعنفيين الأوربيين، بالصراع العربي الإسرائلي بطريقة مختلفة من موقع مختلف، لكن هذا لا يجوز أن يكون سببا لموقف يغتال روح اللاعنف، لأن اللاعنف هو انحياز للحقيقة، وليس اعترافا بالواقع الظالم، كما يحاولون أن يُلّبسوا علينا في قضية فلسطين، ربما نعذرهم في اتخاذ مواقف لا نرضى عنها كلا عنفيين، انطلاقا من إدراكنا بشريتهم وضعفهم وعجزهم عن مواجهة الواقع المؤلم في أوربا، (أوربا التي تكفر عن ماضيها المظلم ضد اليهود بصناعة حاضر يماثل الماضي تماما لكن هذه المرة ضد العالم الإسلامي)، لكنا أبدا لن نقبل أن يسّوقوا تراجعهم عن الحقيقة باعتباره انتصارا للحقيقة، أو عملا بروحها، أعتقد أننا قد شببنا عن هذا النوع من العبث، نقبل أن يضعفوا عن متطلبات اللاعنف مهما تكن الأسباب، ونتفهم تراجعهم عن روحه أمام ضغط إسرائيل، لكن لا نقبل ان يسوقوا ضعفهم باعتباره اقتضاء اللاعنف. - إذا تمكنا من الاعتراف بالظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون منذ ستين عاما، وأصبح هذا واضحا أمامنا، فلم يعد لدينا خيار في موقفنا، فليس لنا من خيار إلا الانحياز للحق ولم يعد من صلاحيتنا البحث عن أنصاف الحلول، ولا يقبل منا أن نوصف الواقع بلغة ملتوية فنقول : (إن إسرائيل لم تشجع على الاعتدال)، والتوصيف الأكثر إخلاصا للاعنف والحقيقة، أن نقول : (إن إسرائيل لم تعمل في سبيل التعايش في يوم من الأيام )، وهي بحكم طبيعتها لا يمكنها ذلك، فكيف يصبح التعايش ممكنا؟ عندما تطرد جارك من بيته وتستولي عليه أنت؟ أية وصفة للتعايش يمكن أن تصف له؟ - إن وهم القوة الذي يعشي أبصارنا فيضل بنا الطريق، ويذهب بنا للحلول الوسط بغض النظر عن الحقيقة التي نعلن التزامنا بها، هو نفسه الذي يعمي أبصار الصهاينة المحتلين، الذي يستغلون الأسطورة الدينية عند متديني الشعب اليهودي، لإنجاز مشروع استعماري لا علاقة له بالديانة اليهودية، بل هو استثمار استعماري وقوده متديني اليهود وضحاياه السكان المحليين في فلسطين. ولتوضيح الأمر جيدا نعيد سرد وقائع واحداث أضحت أكثر من معروفة : - وجود أسرائيل أصبح واقعا بقدر ما كان وجود جنوب أفريقيا واقعا، وبقدر ما كانت الإمارة الصليبية (مملكة القدس اللاتين) واقعا، والذي أحال ذلك الواقع خبرا بعد عين في الحالين، أن الهزيمة لم تتسرب إلى قلوب الناس، وأن اليأس لم يغلب الأفارقة في جنوب أفريقيا، ولم يقتل روح التضحية والجهاد ضد الغزاة في العالم الاسلامي في العصر الوسيط. - إسرائيل كانت القوة المسيطرة عسكريا، حتى حرب تموز 2006، ومنذ ذلك التاريخ توضح لدينا أن أسرائيل فقدت قوتها، وزاد إيماننا بقوة الارادة الإنسانية، ورأينا نموذج الإنسان الجديد الذي ولد في المنطقة، وعرفنا كيف ولد الجندي الأسرائيلي في غياب الانسان في هذه المنطقة، وكيف أن حضور الإنسان في هذه المنطقة كفيل بانتهاء عصر الهيمنة والقوة الاسرائيلية، وإذا تمكنت حماس من الصمود بعد الاجتياح البري ولم تتمكن اسرائيل بمساعدة الطابور الخامس من استئصالها، تكون الساعة الرملية التي تؤقت للملكة الباغية قد بدأت العد العكسي في عمرها كمستعمرة كبرى، وإن نجحت نكون قد وصلنا إلى نقطة الصفر، وعندها يجب أن نبدأ بداية حقيقية، مسلمتها الأولى هو أن فلسطين ليست مشكلتنا بل إن كل بلد عربي فيه واقع أكثر مراراة من فلسطين، ولذلك علينا في كل بلد أن نبدأ بناء دولة مواطنة، دولة الدستور ودولة حقوق الإنسان، أي أن فلسطين ليست الجبهة ولا العائق ولا المشكلة! بل نحن المشكلة كما هو واضح اليوم، من خلال واقعنا المريض حيث نحن عبء فلسطين ورجال فلسطين، فنحن في غير بلد عربي نحرس حدود العدو ونؤمنها صاغرين، ولا أحد للأسف يبصر ذلك!! - المصالح الدولية لن تتناغم معنا حتى نتناغم نحن مع مصالحنا، حيث هناك طلاق بائن بين مصالح النخب ومصالح الشعوب، فمصالح النخب الحاكمة مرتبطة بمصالح المستعمر، والمسيطر، ولذلك يتبادلان المواقف على حساب مصالح الأمة، لذلك علينا أن نفكر جديا كخطوة أولية في إعادة الوحدة إلى الأمة بتوحيد مصالح النخب ومصالح الشعوب في كل قطر، وهذا يحتاج لموقف ثقافي وموقف فكري مختلف، يجعل العمل السياسي الوطني ممكنا، ولذلك يجب أن ندشن ثقافة تخرج من ثنائية الشتيمة والاستستلام، أو الرفض في السر والتسليم في العلن، ما لم ندشن مثل هذه الثقافة سنبقى ضائعين وستبقى مصالحنا مضيعة وسيبقى الايقاع العالمي بعيدا عن مصالحنا. - الزعماء العرب في وضع مشلول، أنتجه المثقفون العرب المتواطؤون مع الطغيان الذي أدمنوا مدحه في الظاهر ولعنه في الباطن، والبلد الذي يعيش على المديح، بلد لا يمكن فيه تعرية الخطأ وإدانته ومعرفة الصواب وتزكيته، بلد ليس للحقيقة فيه كبير قيمة، ولذلك نحن بحاجة ماسة إلى روح ثقافية جديدة، تقوم على تقديس قول الحق والتزام الحقيقة، وهو طريق ليس بلا أثمان، لكن أثمانه ليست ساحقة بل هي بالمتناول، لأن التغيير لا يكون أبدا بلا أثمان، وإذا كنا نعول على التغيير الخارجي، فلننظر إلى التغيير أو التدمير الذي حل بالعراق، وإذا لم نكن مستعدين لدفع أي ثمن، فلنعلن الاستقالة التاريخية والانسانية، ولنكف عن الشكوى ولنقبل سياسة الأمر الواقع التي نروج لها مع المستعمر فهي مع الاستبداد أولى، ولها أسباب أكثر وجاهة. - إن المرجعية الأخلاقية لأي إدانة للظلم، ليس مرجعها النهائي المواثيق والقوانين الدولية، إن منظر القتل الذي تعافه النفوس، والتدمير الذي يتقزز منه كل من يراه، ومنظر الدماء الذي يؤلم كل ذي قلب، وبشاعة المحرقة المستمرة منذ أسبوع، لا يحتاج لمعرفة بحقوق الإنسان، إنما يحتاج لأدنى درجات الحس الإنساني، ويحتاج الإنسان معه لأدنى معرفة بالتاريخ ليدرك وحشيته ولا إنسانيته، بل وعبثيته وانعدام جدواه. - إن الذين يؤجلون الاصلاح بحجة المواجهة لم يكونوا مصيبين في السابق وليسوا صادقين اليوم، إن الاستعمار ثمرة للواقع المريض وليس سببا له، فتاريخيا كانت المنطقة قابلة للاستعمار قبل أن يخطر في بال أي مستعمر، بل قبل أن يولد الاستعمار الحديث، كما يقول مالك بن نبي، ومنذ وقت قريب رأينا بأم أعيننا كيف قاد الاستبداد العراق ليقع في براثن الاستعمار الذي لم يكن غادرها إلا شكلا، إن كل من له نية صادقة في مواجهة المستعمر، يجب أن يحصن جبهته الداخلية بالنقد القاسي، وليس بالمديح الممجوج الكاذب، يجب أن يحصن جبهت الداخلية بإيجاد المعارضة، إن لم تكن موجودة، وليس بالتضييق عليها والسعي لأعدامها عندما توجد، إن وطنا ليس للمواطن فيه قيمة لن يكون عصيا على الاختراق، إن وطنا ليس فيه للمواطن حقوق لن يدافع عنه أحد، إن وطنا ليس فيه مواطنون أحرار وطن سهل الاستباحة، منكسر الجناح، إن وطنا ليس فيه موطنون أعزاء لن يقف موقفا عزيزا أبدا، وسيسقط مثلما سقطت بغداد تحت ظل الطاغية، ليس هناك من فرق بين ظلم المستعمر وظلم المستبد، فالظلم ليس له دين ولا وقومية ولا طائفة، ولن يغير طعم الظلم ومذاقه إذا كان الظالم من أبناء جلدتنا، بل الظلم ظلم وهو ظلمات في الدنيا قبل الآخرة، وبالظلم تنهار المجتمعات وتتحلل الحضارات. - فيما يتعلق برغبة الجميع في السلام هذا حق لا شك فيه، ولن يكون موضع جدل، ولكن صرح العدل القائم فقط هو ما يمكن أن ينشيء السلام ويؤسس له، ومن غير عدل فلا مجال للسلام، بل ما نفعله هو استراحة المحارب، ريثما تتحسن موازين القوى وتتغير الظروف، ومما ينسب للبابا السابق قوله: (إذا أردنا أن نبحث عن السلام فيجب أن نبحث عن العدالة)، وقد صرح محقا أحد البرلمانيين البريطانيين : (إن محاربة (الارهاب) في العالم تتطلب وضع خطة لمحاربة الظلم والفقر والجوع والتفاوت بين الناس في العالم)، إن الظلم هو مصدر عدم الاستقرار في العالم، وهو مصدر الحروب فيه، فكيف عندما يكون الظلم بحجم قضية شعب فلسطين ووحشيته؟؟، لن يولد السلام على أسس جائرة، ولن تنبت شجرة السلام على المظالم القائمة، ومصر مثال جيد، وشعب مصر اليوم خرج من عبودية الطاغوت، وعندما يموت جيل المثقفين والقادة السياسيين الحاليين، الذي يحملون الآصار والأغلال، سيأتي جيل يبصر الطريق، وستقوم دولة وطنية تنتج خبز مواطنها ولا تسرقه، وأول قرارا ستتخذه عند أول مناسبة هو أيقاف العمل بالاتفاقية التي تربط الصهاينة بالنظام المصري، والتي لم تتحول إلى واقع رغم مرور قرابة الأربعين عاما على توقيعها. 2 في النتائج وما ينجم عنها... لم يكن الفوز بالعدالة احتمال قائم عند أول نزاع بين اثنين في تاريخ البشر، ولكن عدم القدرة على الفوز شيء، والاقرار بالأمر الواقع والاستكانة للظلم شيء آخر، ولو أن هذه الفلسفة تقبلها الفكرة الإنسانية السليمة، لما تحرر شعب ولما كسرت النير أمة ، ولما تقدم النوع الإنساني، إن تقدم الإنسان عبر التاريخ مبني على تطلعه إلى آفاق أبعد من الواقع الظالم البئيس، هذا النظر هو الذي مات من أجله سقراط، وصلب من أجله المسيح، وكافح من أجله محمد في ملحمة أسطورية ضربت أروع المثل على قدرة قوة الحقيقة على الانتصار على القوة العارية و تغيير الواقع الجائر، لمصلحة الأغلبية الصامتة، إن روح الله التي في الإنسان تمنعه من الاستكانة لمثل هذه الفلسفة التي تدعو للاستسلام، إن العدالة غير قابلة للتجزئة مثلما هي الحقيقة غير قابلة للتقسيم، وعلينا في العالم العربي أن نكف عن تحميل فلسطين وشعبها مسؤلية تخلفنا، فمنذ الأربعين سنة لم يرصد فلس عربي لقضية فلسطين، وأعلنت النخب جميعها أن السلام خيار أستراتيجي، وأن الحرب فات أوانها، لكنها استثمرت في إدارة مزارعها الخاصة فيما كان يسمى أوطانا، بنفس الطريقة، والمثقف إما تواطؤ مع هذا الواقع المريض، أو تجاهله وتعايش معه، وللأسف فإنه يأتي الآن ليبرر تخلفه وعدم قيامه بواجبه، بحجة فلسطين وقضيتها كما تفعل الأنظمة التي لم تفكر بقضية فلسطين منذ أربعين سنة، إلا لتفكر بأنجع الطرق للتخلي النهائي عنها وتسويق واقعها المريض والمتاجرة بها، أو استخدامها كورقة تفاوضية في أحسن الأحوال... هناك حقائق على الأرض: - شعب فلسطين ما زال الحقيقة الوحيدة على أرض فلسطين، وإن كانت تجاوره أكذوبة إسرائيل، ولن يستطيع المحتل ولا الاستكبارالعالمي الظالم المتواطئ تجاهل هذه الحقيقة التي تقلع العين، وشعب فلسطين لم يبلغ الدرجة التي ييأس فيها من استعادة حقه كاملا غير منقوص، فهم موجودون على الأرض بقوة الحقيقة، ورسوخ التاريخ، وإشراق المستقبل... - نحن لم تكسرنا "الهزيمة" ولن نرفع الرايات البيضاء، وخسارة هذا الجيل لن تدفعنا للتسليم بالواقع الظالم، سيأتي الجيل الفلسطيني والعربي والمسلم القادر على ذلك، ولذلك نسجل موقفنا بعدم المساومة على ما لا نملك حقق المساومة عليه، والحكومات التي يصنعها المستعمر لا تملك حق التنازل عن فلسطين وقضيتها، وإننا على يقين أن الصهاينة الذي بدأ مشروعهم بالنكوص والتراجع بعد خمسين سنة من بدئه، لن يكونوا بعد خمسين عاما جزءا من حاضر المنطقة بل جزءا من تاريخها، ولنا أدلة كثيرة من التاريخ في الإمارات الصليبية التي عاشت قرابة القرنين، والدولة العنصرية التي عاشت أربعة قرون في جنوب أفريقيا، نحن لسنا طلاب موت، ولا تجار دماء، لكن لن يغض من قدرنا أن نموت في سبيل الحقيقة، ولن تنتقص كرامتنا أن تعرضنا للتعذيب والانتهاك في سبيل التزامنا بها، ولا حقيقة أكبر من شعب فلسطين. - إن عصرالتفوق الاسرائيلي النهائي في المنطقة قد بدأ بالانحسار، بل إن فشل القوة العارية في كسب المعارك قد انتهى بطريقة نهائية، وليس أدل على ذلك مما حدث في لبنان، ومما يحدث اليوم في العراق والأفغان، إن القوة العارية يمكن أن تقتل وتدمر، وبهذا تكون قد خلقت المشكلة، وبعد ذلك يجب البحث عن الحل، وهذا ما يحدث اليوم في العراق والافغان والصومال، إنهم اليوم يحاولون الترقيع خلف القوة العارية ولملمة هزيمتها بالسياسة، وعلينا الحذر والانتباه، لقد سقطت الأداة ولم يسقط المشروع، إنهم يحاولون أن يحققوا بالسياسة ما عجزوا عن تحقيقه بالقوة العارية، وهنا يأتي دور المثقف، وتبرز أهمية معرفته وقيمتها، ليس من وظيفة المثقف أبدا تبرير المظالم ولا فلسفة الهزائم. - إن (العالم) اليوم أو التسعة رهط الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، والذين خلقوا المشروع الاستعماري اسرائيل ويسهرون على بقائه، لم يعد بإمكانهم التستر على جرائم المستعمر، وليس أخزى للإدارة الأمريكية اليوم، أنها تفعل مثلما كان يفعل الاتحاد السوفياتي السابق، وما تفعله الآن حكومات الطغيان في العالم الثالث من حجب الحقائق عن مواطنيها، لن يدوم هذا الحال، ولن يكون بعيدا ذلك اليوم الذي يتخلى فيه أصحاب ذلك المشروع كما تخلو عن مشاريعهم السابقة في جنوب أفريقيا وفرموزا وهونغ كونغ، وهذا أمر يصنعه صبر وصمود الفلسطينيين، ويعجل فيه وعي العرب وقيام حكومات وطنية في الوطن العربي، لقد سئم المستكبرون من دعمهم للمشروع الصهيوني، والأصوات تتعالى في غير بلد لنبذه، حتى بين الجالية اليهودية في أمريكا، ولن يطول الأمر قبل أن ينقطع عنه شريان الحياة، وعنده سيذوى مثلما تذوى شجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار. - هذه الصورة التي قدمنا توجب علينا ما يلي: - إن كنّا نريد التضامن فعلاً مع المظلومين في كل فلسطين، فليس سبيل ذلك البحث عن الحلول الوسط، والتمسك بأنصاف الحلول أو الدعوة إليها، بل الإدانة الواضحة الصريحة للعدوان، ودعم الأخوة في فلسطين ماديا ومعنويا، أوعلى الأقل أن ننّظر للصمود والثبات والتمسك بالحقيقة، وليس التنظير لليأس والهزيمة وسبل الاستسلام، كما فعل عرب عديدون ومثقفون كثر، عندما بدأت حرب تموز مستبقين النتائج ومروجين لأدانتها وتثبيط الناس عنها، نحن نعرف الأثمان التي يدفعها الفلسطينيون، لكنها ليست أثمانا اختيارية، وأكثر ما يؤلمني أن السبيل الذي يسلكون رغم إيماني بقدرته على هزيمة المشروع الصهيوني، لكني أشك بقدرته على صناعة الدولة الوطنية، ورغم ذلك علينا أن ندعم تضحياتهم وأن نبحث السبل التي تجعل هذه التضحيات، أكثر قيمة وجدوى وهنا يأتي دور اللاعنف، ودورنا كلاعنفيين. أمّا فيما يتعلق بإسرائيل علينا أن ندرك حقيقة مهمة وهي أن من يؤمن بالقوة كوسيلة لحل النزاعات فإنه عندما يمتلكها، و يعلم أنه قد جرد خصمه منها، ومن كل السبل إلى حيازتها، لا يشعر أنه مضطر للتفاوض مع خصمه المجرد، إلا ليملي عليه رغباته التي لا يجوز ألا تتحول إلى أوامر واجبة التنفيذ، وهذا ما يفعله مستبدوا الداخل مع المعارضات الوطنية فلا مجال للحوار، إن من يؤمن بالقوة يحترم ويقدر من يملكونها فقط، ونحن كلاعنفيين مثلما نسعى لإبطال سحر القوة في الداخل، علينا أن نسعى إلى إبطال سحرها بين الدول والمجتمعات، لقد اتخذ الفلسطينيون القرار : إنهم سيواجهون القوة المدمرة بأجسادهم العارية، فليس من حق لا عنفي يؤمن بالحقيقة ويحترم الحياة الإنسانية أن يبخسهم موتتهم الشجاعة وموقفهم النبيل، حتى عندما تفوتنا الشجاعة فلا نستطيع إدانة المجرم دون التعريض بالضحية!!! علينا أن نكون أكبر من امتهان الحقيقة بمساواة المجرم بالضحية، العنف لم يبدأ مع حماس ولا مع صواريخها، العنف بدأ مع الاحتلال، وانهاء الاحتلال هو الحل الذي ينهي المشكلة ويوقف دوامة العنف، الدائرة من طرف واحد، أرجو أن لا يوجد لا عنفي مثل بوش الذي يتفهم دوافع أسرائيل ولا يستطيع أن يتفهم دوافع حماس. 3 في المحصلة والختام... تاريخ عريض تعلمت أن أتذوقه وتدربت على استنطاقه، كان الأمر في البداية تعبدا نزولا عند الأمر القرآني (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كانت عاقبة الذين خلو من قبل)، ثم أصبح إيمانا عميقا تعززه الخبرة اليومية والمعرفة التاريخية، حتى أصبح من أهم مراجعي وأقدسها، وهو يحوي فيما يحويه ما ذكره الأستاذ أكرم الذي اتكأت على مقالته، المعنونة لا للحرب نعم للسلام، في كتابتي هذا المقال، أقول يحوي ما نقله منه عن (المؤرخ الإسرائيلي، والاستاذ السابق في الجامعة العبرية، يوشوا پراوير بعنوان تاريخ مملكة القدس اللاتينية، الذي يدرس فيه ويحلل بمنتهى الجدّية والموضوعية الأسباب التي أدت إلى انهيار هذه المملكة التي أقامها الصليبيون في حينه ودامت ما يقارب المئتي عام. وهذه النتيجة المرعبة تقول أنها انهارت في النهاية لأن الذين أنشأوها لم يستطيعوا خلال مئتي سنة أن يقيموا أية علاقة ودّية وطبيعية لا مع دول الجوار ولا مع الشعوب المحيطة). رغم أنني لم أستطع أن أدرك سبب الرعب الذي انتاب الاستاذ أكرم، عندما آلت الزريعة الطفيلية الغازية إلى نهايتها الطبيعية التي انتهت إليها (مملكة القدس اللاتيتية)، والتي ستنتهي إليها مملكة الصهاينة الحديثة لكن ليس بعد مئتي عام، بل لن تعيش هذه المملكة على جبروتها حتى تحتفل بمئويتها الأولى، لأن سرعة التغير التاريخي قد اطردت، ونحن نبصر علامات انحسار هذه المملكة وتراجعها، بعد أن بلغت أقصى اتساعها باحتلال بيروت العاصمة العربية الثانية، ثم أخذت بالتراجع حتى تركت غزة لفقدان السيطرة، واستقدمت ياسر عرفات وأتباعه ليضع حدا لا نتفاضة الشعب الفلسطيني، وكيف اتجهت عندما فشلت هذه الخطة- تحت تأثير قلق المصير - لبناء جدار الفصل العنصري، الذي أحال حياة المواطن الفلسطيني جحيما وبدد ثروته وصادر مصدر رزقه وإن لم يوهن إرادته ويفل عزيمته، لكنني أؤكد أن هذه المملكة تسلك سبيل تلك المملك فلا بد أن تنتهي نهايتها، وأرجو أن نوطن أنفسنا كي لا تصدمنا هذه الحقيقة المرة ثانية، لا يمكن لأسرائيل أن تؤسس علاقات طبيعية مع دول هذه المنطقة، قد تفعل مع النخب الحاكمة غير الشرعية، وعندما نتمكن من انتاج نخب تمثل روح الأمة وتاريخها وتتطلع نحو مستقبلها فلن يكون لحلفاء أسرائيل، كان سقراط يشبه نفسه بذبابة الخيل التي توقظ عقول النائمين وتنبههم، أعتقد أن المظالم الاسرائيلية، تفعل نفس الفعل، ليس فيما يتعلق بالوجدان والضمير في منطقتنا بل في العالم أجمع، إن إسرائيل هي الدليل الأخير على وحشية الاستعمار وفداحته، وهي لن تعمر طويلا أبدا، فهي لن تبلغ أجيال الدولة الخلدونية، لقد بدأ داء الانحلال يسري في عروقها، والذي يطيل عمرها هو الوضع العربي الرديء، لكنه ليس بعيدا اليوم الذي يولد فيه إنسان هذه المنطقة من جديد، لقد بدت الطلائع بالظهور، لقد اختفى الانسان المستكين منزوع الإرادة، وولد الإنسان الذي يملك إرادة التحرر، وما دام قد ملك الإرادة فلن ننتظر كثيرا اليوم الذي يمتلك فيه القدرة لينجز عمله بالإرادة الجازمة والقدرة التامة التي تجعل نجاح العمل ضرية لازب. والســلام علــيكم د. مــحــمّــد الــعــمّــار *** *** ***

ليست هناك تعليقات: